سورة البقرة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {ولما جاءهم كتاب من عند الله} يعني القرآن {مصدق لما معهم} يعني التوراة وهذا التصديق في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن نبوته وصفته ثابته في التوراة {وكانوا} يعني اليهود {من قبل} أي من قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم {يستفتحون} أي يستنصرون به {على الذين كفروا} يعني مشركي العرب وذلك أنهم كانوا إذا أحزنهم أمر ودهمهم عدو يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوارة فكانوا ينصرون، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم {فما جاءهم ما عرفوا} أي الذي عرفوه يعني محمداً صلى الله عليه وسلم عرفوا نعته وصفته وأنه من غير بني إسرائيل {كفروا به} أي جحدوه وأنكروه بغياً وحسداً {فلعنة الله على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم} أي بئس شيء اشتروا به أنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق واشتروا بمعنى باعوا والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم {أن يكفروا بما أنزل الله} يعني القرآن {بغياً} أي حسداً {أن ينزل الله من فضله} يعني الكتبا والنبوة {على من يشاء من عباده} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {فباؤوا} أي فرجعوا {بغضب على غضب} أي مع غضب قال ابن عباس الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلها والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل والثاني بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وقيل: الأول بعبادتهم العجل والثاني: بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم {وللكافرين} يعني الجاحدين بنوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم {عذاب مهين} أي يهانون فيه.


{وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله} يعني بالقرآن وقيل: بكل ما أنزل الله {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} يعني التوارة وما أنزل على أنبيائهم {ويكفرون بما وراءه} أي بما سواه من الكتب وقيل: بما بعده يعني الإنجيل والقرآن {وهو الحق} يعني القرآن {مصدقاً لما معهم} يعني التوراة {قل} يا محمد {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل} إنما أضاف القتل للمخاطبين من اليهود، وإن كان سلفهم قتلوا لأنهم رضوا بفعلهم قيل: إذا عملت المعصية في الأرض فمن كرهها وأنكرها بريء منها، ومن رضيها كان من أهلها {إن كنتم مؤمنين} أي بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتل الأنبياء. قوله عز وجل: {ولقد جاءكم موسى بالبينات} أي بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة {ثم اتخذتم العجل من بعده} أي من بعد موسى لما ذهب إلى الميقات {وأنتم ظالمون} إنما كرره تبكيتاً لهم للحجة عليهم {واذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا} أي استجيبوا وأطيعوا أي فيما أمرتم به {قالوا سمعنا} يعني قولك {وعصينا} يعني أمرك وقيل إنهم لم يقولوا بألسنتهم، ولكن لما سمعوه وتلقوه تلقوه بالعصيان فنسب ذلك إليهم {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} أي تداخل حبه في قلوبهم والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ في الثوب. وقيل: إن موسى أمر أن يبرد العجل ويذرى في النهر وأمرهم أن يشربوا منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل، ظهر سحالة الذهب على شاربه {قل بئسما يأمركم به إيمانكم} أي بأن تعبد وا العجل والمعنى بئس الإيمان إيمان يأمر بعبادة العجل {إن كنتم مؤمنين} أي بزعمكم وذلك أنهم قالوا: نؤمن بما أنزل علينا فكذبهم الله تعالى.


قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس} وذلك أن اليهود ادعوا دعاوى باطلة منها قولهم: لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً وقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه فكذبهم الله وألزمهم الحجة فقال: قل يا محمد لليهود إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة خالصة لكل دون الناس {فتمنوا الموت} أي فاطلبوه واسألوه لأن من علم أن الجنة مأواه وأنها له حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلاّ بعد الموت فاستعجلوه بالتمني {إن كنتم صادقين} أي في قولكم ودعواكم، وروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلاّ مات» قال الله تعالى: {ولن يتمنوه أبداً} أي لعلمهم أنهم في دعواهم كاذبون {بما قدمت أيديهم} يعني من الأعمال السيئة، وإنما أضاف العمل إلى اليد لأن أكثر جنايات الإنسان تكون من يده {والله عليم بالظالمين} فيه تخويف وتهديد لهم، وإنما خصهم بالظلم لأنه أعم من الكفر لأن كل كافر ظالم وليس كلّ ظالم كافراً فلهذا كان أعم وكانوا أولى به {ولتجدنهم} اللام للقسم والنون للتوكيد تقديره والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود {أحرص الناس على حياة} أي حياة متطاولة، والحرص أشد الطلب {ومن الذين أشركوا} قيل هو متصل بما قبله ومعطوف عليه والمعنى وأحرص من الذين أشركوا. فإن قلت: الذين أشركوا قد دخلوا تحت الناس في قوله أحرص الناس فلم أفردهم بالذكر؟ قلت: افردهم بالذكر لشدّة حرصهم وفيه توبيخ عظيم لليهود لأن الذين لا يؤمنون بالمعاد ولا يعرفون إلاّ الحياة الدنيا لا يستبعد حرصهم عليها، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالبعث والجزاء كان حقيقاً بالتوبيخ العظيم وقيل: إن الواو واو استئناف تقديره ومن الذين أشركوا أناس {يود أحدهم} وهم المجوس سموا بذلك لأنهم يقولون: بالنور والظلمة يود أن يتمنى أحدهم {لو يعمر ألف سنة} أي تعمير ألف سنة وإنما خص الألف لأنها نهاية العقود ولأنها تحية المجوس فيما بينهم يقولون: زه هز إرسال أي عش ألف سنة أو ألف نيروز أو ألف مهرجان فهذه تحيتهم. والمعنى أن اليهود أحرص من المجوس الذين يقولون ذلك {وما هو بمزحزحه} أي بمباعده {من العذاب} أي النار {أن يعمر} أي لو عمر طول عمره لا ينقذه من العذاب {والله بصير بما يعملون} أي لا يخفى عليه خافية من أحوالهم.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14